السيوري: تصريحات بوعياش رَدّة حقوقية.. وهناك من أفشل الوساطة لمعتقلي الريف

 السيوري: تصريحات بوعياش رَدّة حقوقية.. وهناك من أفشل الوساطة لمعتقلي الريف
حوار - هشام الطرشي
الخميس 22 غشت 2019 - 20:50

عرف المغرب في المجال الحقوقي خلال السنتين الأخيرتين أحداثا وقرارات من الصعب القفز عليها أو القول بثانويتها، وذلك بالنظر لأهميتها ومدى تأثيرها في رسم ملامح مرحلة مغرب ما بعد العشرين سنة الأولى من حكم الملك محمد السادس.

وللوقوف أكثر على هذه الأحداث، وتناولها من وجهة نظر حقوقية، أجرت "الصحيفة" هذا الحوار مع الأستاذة جميلة السيوري للتعرف أكثر على وجهة نظر حقوقية بخصوص ملف معتقلي الحسيمة والسبل الكفيلة بتقوية دور الوساطة من أجل إيجاد حـل شامل ونهائي للملف، والعلاقة المؤسساتية في بعدها السياسي لمنصبي وزير الدولة الملكف بحقوق الانسان والمندوب الوزاري المكلف بحقوق الانسان.

والأستاذة جميلة السيوري هي محامية بهيئة المحامين بالرباط ورئيسة جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة. وإضافة إلى أنها عضو سابق بالمجلس الوطني لحقوق الانسان، كما أنها منسقة النسيج المدني للحقوق والحريات وعضو اللجنة التنفيذية للاورومتوسطية للحقوق.

- نبدأ حوارنا بملف لا يكاد النقاش حوله يخفت حتى ينبعث من جديد، والمتعلق بمعتقلي أحداث الحسيمة، ما هي قراءتك الحقوقية للملف، وهل ترين أن إطلاق سراح المعتقلين هو الحـل الأمثل لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي؟

بداية أود أن أشير إلى أن القراءة الحقوقية لملف معتقلي أحداث الحسيمة، كما أسميته، لا تحتمل عدة قراءات تجزيئية أو فردية، فهي قراءة واحدة ووحيدة يجمع عليها كل الحقوقيين والحقوقيات بالمغرب.

فأحداث الحسيمة ارتبطت في الأصل بممارسة فآت واسعة من المواطنين لحق التعبير وإبداء الرأي والتظاهر السلمي من أجل مطالب مشروعة موجهة إلى الجهات المسؤولة بهدف رفع التهميش والاقصاء الذي عانت منه المنطقة منذ الاستقلال ولا تزال إلى اليوم، والتنديد بالاختلالات وحالات التقصير المثبتة بتقارير رسمية التي شابت المخطط التنموي المزمع تخصيصه لمناطق الريف وأساسا مشروع منارة المتوسط، وهو ما يدين فشل المسؤولين القائمين على إنجاز هذه المشاريع، وهو ما كان يفترض تدخلا فوريا من طرف السلطات المختصة من أجل محاسبة المسؤولين عن هذا التقصير، عوض معاقبة المنبهين إلى هذه الاختلالات، ومتابعتهم وإصدار عقوبات قاسية في حقهم.

إذن، مطالب معتقلي التظاهرات السلمية بالحسيمة في إطار ما يعرف بحراك الريف، هي مطالب مشروعة ذات طابع اجتماعي صرف، ولا تحمل في طياتها أية أبعاد "سياسية"، وتبقى تهمة "تدبير مؤامرة للمس بالأمن الداخلي للدولة" التي أدين من أجلها هؤلاء، تهمة غير "واقعية" و"باطلة" من حيث أساسها القانوني، وقد كانت في جوهرها "حقا أريد به باطل"، وهذا ما سبق لجمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة أن عبرت عنه في بيانها الصادر بتاريخ 29 يونيو 2018.

لذلك، فالحل الأمثل لإغلاق هذا الملف لم ولن يكون فقط هو الافراج عن معتقلي أحداث الريف، وإنما يجب المرور بالأساس وبالضرورة عبر مجموعة المبادرات الضرورية التي يجب القيام بها من أجل إغلاق الملف تدريجيا وبالطريقة السليمة، كأن تسعى جميع مكونات المجتمع المدني الحقوقي إلى تشكيل "جبهة منيعة ضد كل الانتهاكات" لدعم وتقوية كل المبادرات الرامية إلى الحوار والتفاوض والوساطة، وأيضا، ضرورة العمل والضغط من أجل تحديث المنظومة القضائية والقانونية وتعزيز الحقوق والحريات، وتفعيل ضمانات السلطة القضائية الفعلية خارج مدار التعليمات والتدخلات من طرف أي جهة كانت، والحفاظ على ما حققته تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة.

إضافة إلى الإطلاق الفوري لسراح معتقلي التظاهرات السلمية بالحسيمة وباقي المدن والمناطق، كمبادرة للحفاظ على تراكم تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب من مصالحة المغاربة مع ماضيهم وحاضرهم، ولاستشراف مستقبل مغرب الكرامة والحقوق، والعمل على الحد من مسببات الاحتقان الاجتماعي والسياسي وذلك عن طريق فتح حوار جاد بين كل المكونات لإيجاد حل لكل المطالب العادلة والمشروعة، مع الاستمرار في تفعيل ومتابعة المشاريع التنموية المعلن عنها والمبرمجة سواء بالمنطقة أو بباقي المناطق والتي تحتاج إلى مشاريع تنموية حقيقية بما يخدم تعزيز الثقة في المؤسسات وفي الدولة، ويمحو الجراح التي خلفتها الأحكام القضائية الأخيرة والعقوبات القاسية الصادرة بمقتضاها.

- عقدت آمال كبيرة من طرف عدد من أسر معتقلي الحسيمة وفئات واسعة من المواطنين على دور مؤسسات الوساطة، بالنظر لما يمكن أن تتوفر عليه من مصداقية لدى مختلف الأطراف المعنية بهذا الملف، أين هي جمعية "عـدالـة" من دور الوساطة المفروض أن تقوم به؟

أنت تعرف أن هناك عدة مبادرات أطلقت من أجل التأسيس للوساطة في هذا الملف ومنها مبادرة الوساطة التي أطلقتها "المبادرة المدنية من أجل الريف" ونحن في "عدالة" نشكل أحد مكوناتها.

ولأن للوساطة قواعد وأسس أهمها الثقة وموافقة كل الأطراف على خوض العملية، فإن عامل الثقة منذ البداية كان ضعيفا وهذا الضعف يجد تفسيره في عدة أسباب منها أن تعدد المبادرات وإن كان ايجابيا فإنه لم يستحضر على الاطلاق التنسيق والعمل المشترك وتوحيد الجهود ما دام الهدف واحد مما عدَّد المخاطبين وأربك العملية من أساسها، كما أن عدم تحقيق رهان إطلاق سراح المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة كشرط محوري في المعادلة أضعف الثقة في جدوى الوساطة.

وهنا دعني أتوقف، من جهة، عند الدور السلبي الذي لعبته بعض الوسائط الإعلامية وخصوصا ما أسميها بـ"المواقع الطحلبية"، التي حرصت على التشويش على كل المبادرات، ومن جهة ثانية، عند الموقف الهجين لبعض الأحزاب السياسية التي كان من المفترض أن تتدخل من أجل ايجاد حل سريع وفي إبَّـانه إلا أنها تخاذلت ونهجت سلوك النعامة.

ثـم هناك سبب مهم ويتمثل في عدم تجاوب السلطات والجهات والمؤسسات في الدولة المعنية أساسا بالملف، مع مبادرات الوساطة بشكل جدي، ناهيك عن خفوت دور المجلس الوطني لحقوق الانسان بعد النشر المبيت لتقريره قبل أن يصبح جاهزا، والذي كان الهدف منه المس بفعالية ومصداقية المؤسسة، مع ما نسجله من ارتباك صارخ وتفاوت في مواقف هذه المؤسسة ما بين العهدين السابق والحالي.

- منذ تعيين أحمد شوقي بنيوب مندوبا وزاريا مكلفا بحقوق الإنسان، طفت إلى السطح طبيعة العلاقة بينه وبين وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، أنتِ كحقوقية، كيف تقرئين العلاقة المؤسساتية في بعدها السياسي لهذين المنصبين؟

شخصيا، اعتبر أن وجود المؤسستين معا في نفس مجال العمل في حد ذاته أمر غير مستساغ ويؤكد مرة أخرى استمرار الارتباك في التخطيط ودراسة الجدوى من خلق المناصب الوزارية والمندوبيات، وما تخلفه من آثار السلبية من قبيل "شي يشرق وشي يغرب".

فأن تكون لدينا وزارة مكلفة بحقوق الانسان تسهر على رسم وتنفيذ السياسة العمومية في مجال حقوق الانسان شيء ايجابي، وأن تكون لنا مندوبية وزارية مكلفة بحقوق الانسان يكون دورها هو التنسيق بين القطاعات الحكومية في نفس المجال شيء مقبول وقد لمسنا جدواه مع الاستاذ المحجوب الهيبة المندوب السابق، والذي سعى فعليا إلى بناء جسور التواصل والشراكة والتشاركية مع جمعيات المجتمع المدني وفتح مجال التعاون والحوار معه.

لكن أن تكون المؤسستين معا في نفس مجال الاشتغال، فهو كما يقال بالعامية من باب ''داخ.. دوخ"، وهو وضع أدخلنا متاهة "شكون نقدمو وشكون نوخرو"، خصوصا وأن الوضعية الدستورية والقانونية للمندوب الوزاري هي محط نقاش في الأوساط الحقوقية.

وإذا انطلقنا من الرسالة الملكية الموجهة إليه والتي زكت لديه الشعور بأن منصبه يضاهي منصب الوزير، وإذا سلمنا بذلك فمعناه أننا أمام وزيرين لحقوق الانسان، ونكون هنا أمام ضرورة تحديد الاختصاصات لكل منهما، وهذا ما يؤكده بروز معالم الصراع بين المندوب الوزاري ووزير الدولة.

صراع تؤكده الدورية التي أصدرها وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان قبل أزيد من 3 أشهر والتي يحدد فيها مجال تحرك المندوب الوزاري بما يجعله مجرد "مسؤول يتحرك تحت سلطة وزير الدولة"، سياسيا وإداريا وماليا. فمن يضع السياسات العمومية، ومن يضع البرامج وينفذها، ومن المسؤول أمام البرلمان وأمام الحكومة وأمام المواطنين عن تنفيذ السياسة العمومية في مجال حقوق الانسان؟ ومن المسؤول عن إصدار التقارير في مجال حقوق الانسان، وطنيا وأمام الآليات التعاقدية وآليات المعاهدات؟

في اعتقادي، منطقيا ودستوريا المخاطب الوحيد يجب أن يكون وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، ويبقى دور المندوب الوزاري، إلى أن يتم تصحيح الوضع، هو تنسيقي وتواصلي وتيسيري بين كل الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين.

- رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان وفي مقالة لها نشرتها مؤخرا على الموقع الرسمي للمجلس، أكدت أنه لا وجود لمعتقلين سياسيين بالمغرب، أنت كحقوقية وفاعلة مدنية، هل تشاطرينها الرأي، وما هو التوصيف الحقوقي لمعتقلي الحسيمة وباقي معتقل الرأي؟

طبعا لا يمكنني إلا أن أخالفها الرأي جملة وتفصيلا، وأعبر عن أسفي لصدور مثل هذا التصريح عن رئيسة مؤسسة وطنية لحقوق الانسان يفترض فيها ألا تتماهى مع مواقف الدولة ولا أن تتكلم باسم الحكومة لأنها هي الوحيدة المعنية بنفي أو تأكيد الأمر، وذلك حسب درجة احترامها لحقوق الانسان من عدمه.

أما المجلس الوطني لحقوق الانسان فعليه أن يحافظ على حياده وأن تكون تصريحاته منسجمة مع تحرياته وتحقيقاته ومع أدواره الحمائية، وأن لا تتعدى آراؤه خط الاستنتاجات المبنية على مؤشرات وأرقام ومعطيات، وتقديم توصيات واقتراحات، والتفاوض من أجلها، وإبداء الرأي حول قضايا محددة متى طلب منه ذلك، وإعداد تقارير موضوعاتية وتقارير شاملة حول وضعية حقوق الانسان.

والأهم من كل ذلك، أن تكون مواقفه منسجمة مع تراكماته كمؤسسة وطنية حظيت، في المرحلة السابقة من خلال تقاريرها وآرائها ومواقفها، باحترام دولي ووطني لا مثيل له. وما يزيد من غرابة موقف السيدة الرئيسة أنها كمناضلة حقوقية خبرت ميادين عديدة وطنية ودولية، كانت تصدح من على منابرها بصوتها، إلى جانب كل نشطاء حقوق الانسان، بوجود معتقلين سياسيين بالمغرب وتطالب بإنهاء ظاهرة الاعتقال السياسي.

ولعل هذا التصريح يعيد طرح تعريف المعتقل السياسي ومعتقل الرأي إلى الواجهة، وأظن أن الأمر يعني بالدرجة الأولى المجلس الوطني لحقوق الانسان والذي يفترض فيه أنه سيحتضن ثلاث آليات حمائية، أهمها آلية الوقاية من التعذيب. أما فيما يتعلق بالتوصيف الحقوقي لمعتقلي الحسيمة فـنعم، أنا اعتبرهم من "معتقلي الرأي"، مادام معتقل الرأي هو كل من تم اعتقاله بسبب التعبير عن رأيه في أي موضوع، سواء تعلق الأمر بالمجال السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي أو الديني او غيره من مجالات الفكر والعقيدة.

- دأبت مجموعة من المؤسسات والهيئات غير الحكومية الدولية على نشر تقارير سنوية، تقيِّم من خلالها الوضع الحقوقي بعدد من الدول، والتي من بينها المغرب. في المقابل نكاد لا نجد تقريرا حقوقيا للهيئات الوطنية غير الحكومية، وحتى الاجتهادات المحسوبة على رؤوس الأصابع لا نلمس فيها ذلك الرصد لانتهاكات حقوق الانسان وفق منهجية هادفة يمكن الاعتداد بها داخليا وخارجيا،

أثرت نقطة بالغة الأهمية ترتبط برصد انتهاكات حقوق الانسان والتقصي وإعداد تقارير عن حالة حقوق الانسان بالمغرب، وهي من أهم الآليات الحمائية التي يجب أن تضطلع بها الحركة الحقوقية.

وفعلا يبدو لنا أن هناك غزارة من حيث إعداد التقارير من طرف منظمات دولية عن وضعية حقوق الانسان بالمغرب، في مقابل ضعف إصدار تقارير مشابهة من طرف الجمعيات الحقوقية الوطنية، وهو وضع يرتبط بما هو موضوعي وما هو ذاتي.

فالموضوعي له علاقة بمحدودية المعلومات إن لم نقل انعدامها بسبب عدم تيسير الوصول إليها من جهة، وتعذر الوصول إليها بمقتضى القانون من جهة ثانية، خاصة إذا تعلق الأمر برصد الانتهاكات في أماكن الاحتجاز أو بتوثيق حالات التعذيب ...الخ، مما يجعل تقارير الجمعيات تعتمد على الشكايات والادعاءات التي تتوصل بها وما تتداوله الصحف والمواقع الالكترونية فقط. كما أن ممارسة التضييق على المدافعين والمدافعات على حقوق الانسان وتقليص الفضاء الجمعوي لا يتيح فرصة أكبر لإعداد تقارير ذات منهجية واضحة وهادفة.

أما الذاتي، فيرتبط بعدم توفر الكفاءة والمهارة المرتبطة بإعداد التقارير والمرتكزة على ضبط آليات ومبادئ الرصد والتوثيق وتقصي الحقائق، وبعدم الترويج للتقارير المعدة بشكل فعال سواء وطنيا أو دوليا، وأيضا بعدم التعاطي مع الآليات التعاهدية الأممية لحقوق الانسان، من اللجنة المعنية بحقوق الانسان، ولجنة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولجنة مناهضة التعذيب، ولجنة سيداو، ولجنة القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، ولجنة ذوي الإعاقة وغيرها. إضافة إلى التعامل مع الآليات غير التعاهدية الأممية لحقوق الانسان من خلال الإجراء السري والعلني، ولجنة مركز المرأة ومجلس حقوق الانسان والمراجعة الدورية الشاملة.

وأخيرا عدم التشبيك والتعاون مع المنظمات الدولية والاقليمية ذات الأهداف المشتركة، مما يتيح الاطلاع على أفضل الممارسات وتبادل البيانات وتلافي الازدواجية في العمل.

لكن، وللأمانة، كل هذه المعيقات لم تمنع بعض الجمعيات النسائية والحقوقية من إصدار تقارير شاملة أو موضوعاتية، وتقارير موازية في إطار الاستعراض الدوري الشامل، تميزت بجودة عالية ومستوى رفيع، مما جعلها تحظى بتنويه دولي ووطني.

كوكب الجزائر

كثيرة هي الأمور التي يمكن استنتاجها من "معركة القميص" بين المغرب والجزائر، والتي هي في الحقيقة صدام بين فريق لكرة القدم يمثل مدينة مغربية صغيرة غير بعيدة عن الحدود الجزائرية، ...